سورة الذاريات آية : 56-58




قال تعالى:

)وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ *


 مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ *


 إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ ( الذاريات: 56-58


تفسير الآية :


قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} قيل:


 إن هذا خاص فيمن سبق في علم الله أنه يعبده،


 فجاء بلفظ العموم ومعناه الخصوص. والمعنى:


وما خلقت أهل السعادة من الجنّ والإنس إلا ليوحدون.


 قال القشيريّ: والآية دخلها التخصيص على القطع؛


لأن المجانين والصبيان ما أمروا بالعبادة حتى يقال أراد منهم العبادة،


 وقد قال الله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ}


 ومن خُلق لجهنم لا يكون ممن خلق للعبادة، فالآية محمولة


 على المؤمنين منهم؛ وهو كقوله تعالى: {قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا}


 وإنما قال فريق منهم. ذكره الضحاك والكلبي والفرّاء والقتبي.


 وفي قراءة عبد الله: {*** وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ


} وقال عليّ رضي الله عنه: أي وما خلقت الجنّ والإنس


 إلا لآمرهم بالعبادة. وٱعتمد الزجاج على هذا القول،


 ويدل عليه قوله تعالى: {وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً} .


 فإن قيل: كيف كفروا وقد خلقهم للإقرار


 بربوبيته والتذلل لأمره ومشيئته؟ قيل:


 قد تذللوا لقضائه عليهم؛


 لأن قضاءه جارٍ عليهم لا يقدرون على الامتناع منه،


 وإنما خالفهم من كفر في العمل بما أمره به،


 فأما التذلل لقضائه فإنه غير ممتنع منه. وقيل:


 {إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} أي إلا ليقروا لي بالعبادة طوعاً أو كرهاً؛


 رواه عليّ بن أبي طلحة عن ٱبن عباس.


 فالكره ما يُرَى فيهم من أثر الصنعة.


مجاهد: إلا ليعرفوني. الثعلبي: وهذا قول حسن؛


 لأنه لو لم يخلقهم لما عرف وجوده وتوحيده.




ودليل هذا التأويل قوله تعالى:


{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ}


{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ



 وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ}


وما أشبه هذا من الآيات. وعن مجاهد أيضاً:


 إلا لآمرهم وأنهاهم. زيد بن أسلم:


 هو ما جُبِلوا عليه من الشّقوة والسعادة؛


 فخلق السعداء من الجنّ والإنس للعبادة،


 وخلق الأشقياء منهم للمعصية. وعن الكلبي أيضاً:


 إلا ليوحدون، فأما المؤمن فيوحده في الشدّة والرخاء،


 وأما الكافر فيوحده في الشدّة والبلاء دون النعمة والرخاء؛


 يدل عليه قوله تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَٱلظُّلَلِ


 دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ} الآية.


 وقال عِكْرمة: إلا ليعبدون ويطيعون فأثيب العابد وأعاقب الجاحد.


 وقيل: المعنى إلا لأستعبدهم. والمعنى متقارب؛ تقول:


 عبد بيِّن العبودة والعبودية، وأصل العبودية الخضوع والذل.


 والتعبيد التذليل؛ يقال: طريق معبد. قال:




وظِيفاً وَظِيفاً فوقَ مَوْرٍ مُعَبَّدِ




والتعبيد الاستعباد وهو أن يتخذه عبداً.


 وكذلك الاعتباد. والعبادة: الطاعة، والتَّعبد التَّنسك.


فمعنى «لِيَعْبُدُونِ» ليذِلّوا ويخضعوا ويعبدوا.


 {مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ} «مِنْ» صلة أي رزقاً بل أنا الرزّاق والمعطي.



 وقال ٱبن عباس وأبو الجوزاء:



 أي ما أريد أن يرزقوا أنفسهم ولا أن يطعموها.


 وقيل: المعنى ما أريد أن يرزقوا عبادي ولا أن يطعموهم


 {إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ} وقرأ ٱبن مُحيصِن وغيره «الرَّازِقُ».


 {ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ} أي الشديد القوي:.


 وقرأ الأعمش ويحيى بن وثّاب والنّخعي «الْمَتِينِ»


بالجر على النعت للقوّة. الباقون بالرفع على


 النعت ل«الرزَّاق»، أو «ذُو» من قوله: {ذُو ٱلْقُوَّةِ}


 أو يكون خبر ٱبتداء محذوف؛


أو يكون نعتاً لاسم إنّ على الموضع،


 أو خبراً بعد خبر. قال الفراء:


كان حقّه المتينة فذكَّره لأنه ذهب بها إلى الشيء المبرَم المحكم الفتل.




تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ( السعدي )


Share this post :

إرسال تعليق

المتابعون

صفحتنا على الفيسبوك

 
بدعم من : الملخص | تحميل برامج مجانية
copyright © 2011. نساء الجنة - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website Published by Mas Template
Proudly powered by Blogger