قال تعالى:
)وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يوَيْلَتَنَا
مَا لِهَـذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ
حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (الكهف:49
تفسير الآية :
يخبر تعالى عن حال يوم القيامة، وما فيه من الأهوال المقلقة، والشدائد المزعجة
فقال: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ} أي: يزيلها عن أماكنها، يجعلها كثيباً، ثم يجعلها
كالعهن المنفوش ثم تضمحل وتتلاشى، وتكون هباء منبثاً، وتبرز الأرض،
فتصير قاعاً صفصفاً، لا عوج فيه ولا أمتاً. ويحشر الله جميع الخلق، على تلك
الأرض، فلا يغادر منهم أحداً.
بل يجمع الأولين والآخرين، من بطون الفلوات، وفغور البحار، ويجمعهم بعدما
تفرقوا، ويعيدهم، بعد ما تمزقوا، خلقاً جديداً، فيعرضون عليه صفاً،
ليستعرضهم، وينظر في أعمالهم، ويحكم فيهم، بحكمه العدل، الذي لا جور
فيه ولا ظلم، ويقول لهم: {لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ} أي: بلا مال،
ولا أهل، ولا عشيرة، ما معهم إلا الأعمال، التي عملوها، والمكاسب في الخير
والشر، التي كسبوها. كما قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ
أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ
زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ} .
وقال هنا، مخاطباً للمنكرين للبعث، وقد شاهدوه عياناً: {بَلْ زَعَمْتُمْ أَن لَّن
نَّجْعَلَ لَكُمْ} أي: أنكرتم الجزاء عن الأعمال، ووعد الله، ووعيده فيها، قد
رأيتموه وذقتموه، فحينئذ تحضر كُتُبُ الأعمال التي كتبها الملائكة الأبرار،
فتطير لها القلوب،وتعظم من وقعها، الكروب، وتكاد لها الصم الصلاب
تذوب، ويشفق منها المجرمون، فإذا رأوها مسطرة عليهم أعمالهم، مُحْصى
عليهم أقوالهم وأفعالهم، قالوا: {لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} أي:
لا يترك خطيئة، صغيرة ولا كبيرة، إلا وهي مكتوبة فيه، محفوظة لم ينس منها
عمل سر ولا علانية، ولا ليل ولا نهار.
{وَوَجَدُواْ مَاعَمِلُواْ حَاضِراً} لا يقدرون على إنكاره {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} ،
فحينئذ يجازون بها، ويقررون بها، ويخزون، ويحق عليهم العذاب، {ذٰلِكَ بِمَا
قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ} بل هم غير خارجين عن عدله وفضله.
إرسال تعليق